وصلتنى من أ. د مصطفى الهدهد، أستاذ طب الأطفال بطب عين شمس، رسالة تعليقاً على صرخة أحد طلاب الكلية اعتراضاً على نظام التعليم والتقييم فى الكلية. وأشكره بداية على التفاعل والاهتمام، يقول د. الهدهد فى رسالته: طالعت باهتمام فى منبركم الموقر رسالة أحد أبنائنا من طلاب طب عين شمس، وحيث إنها مسّت منّى أعماق قلبى أحببت أن أشارككم وزملائى وأبنائى بعض مكنون صدرى من موقع الأب والمواطن. لا يمكن بأى حال من الأحوال إنكار نقاط الضعف فى منظومة التعليم الطبى فى مصر وأن الخريج وبكل صراحة غير مُعدّ لسوق العمل إن صحت التسمية. وبعد ثلاثين سنة من العمل فى المنظومة الطبية أستطيع تشخيص ما يلى: الأعداد المقبولة فى كليات الطب بمصر أكثر من الاحتياجات وطريقة الالتحاق بالكلية لا تضع فى الاعتبار السمات الشخصية والنفسية والدوافع للمقبولين (وأعلم علم اليقين وأقدّر المخاوف من المحسوبية إذا تم إدراج التقييم الشخصى فى معايير القبول). منظومة التعليم ما قبل الجامعى غير مؤهلة لإمداد الكليات بطلاب يمكن إدراجهم فى منظومة لها مواصفات عالمية (ويمكن الاستماع لآراء واقتراحات المختصين لإصلاح ذلك). التناقض العنيف بين المستقبل الوظيفى للأوائل من الطلاب وغيرهم من زملائهم يحض الأغلبية منهم على أن يكون محور تفكيرهم هو الامتحان والدرجات بدلاً من رفع المستوى والتمكن (وهنا تنشأ ظاهرة الدروس الخصوصية ولأسباب أخرى). منظومة التعليم الجامعى بصفة عامة تتمحور حول الأستاذ والمقرر بدلاً من أن تتمحور حول الطلاب أنفسهم. وبسبب الأعداد الكبيرة وقلة البعثات لأعضاء هيئة التدريس فى أول حياتهم المهنية تحولت المناهج إلى معرفية أكثر من مهارية فى تخصص يعتمد بصفة رئيسية على تنمية المهارات والاتجاهات المعنوية، وتناسينا أن الجانب المعرفى أصبح عند أنامل الجميع بضغط أزرار أو حتى باللمس. أبناؤنا أقصر نفَساً من الأجيال السابقة، ولا ألومهم على ذلك فذلك نمط مجتمعى (take away sandwich policy). ويندر أن تجد طالباً يذاكر من المراجع العالمية. ولنا زميلة فى الولايات المتحدة الأمريكية مدّ لها أستاذها مدة التدريب لا لشىء إلا أنها نسيت أن تسجل فى ملف المريض معلومة مع أنها ذكرتها شفوياً. والحق يقال إن منظومة الإصلاح تعمل بجد فى العشر سنوات الماضية، مع أن المنتج لم يظهر أثره بالدرجة الكافية بعد. ومن استراتيجيات الإصلاح إدخال طرق تدريس حديثة ونظم امتحانات متطورة فى سبيلها للتعميم. وعلى سبيل المثال لا الحصر كان البرنامج الموسع بالساعات المعتمدة إحدى هذه الاستراتيجيات. ومن خلاله تم تدريب أعضاء هيئة التدريس على الطرق الحديثة للتعليم والتقييم الطبى. والجدير بالذكر أن هؤلاء الأساتذة هم أنفسهم الذين يدرسون فى البرنامج الأصلى مما يعود بالنفع على الجميع. وكذلك تزمع إدارة الكلية إشراك طلاب البرنامج الأصلى فى دورات تدريبية صيفية لتحصيل مهارات التطور الشخصى والمهنى لكى يحظوا بفرصة كزملائهم فى البرنامج الموسع. وكلمة لزملائى: طلابنا من أفضل جيلهم ويحتاجون رعايتكم واهتمامكم الوافر، حيث ستُبنى مصر الجديدة على أكتافهم وهمسة فى أذن أبنائى «ما حك جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك»، شاركوا بالرأى الموضوعى فى عملية الإصلاح، وما ضاع حق وراءه مطالب بطريقة موضوعية وليست شخصية. وأخيراً.. ألهمنا الله الصواب وأعان الجميع على تفعيله.